#يافع .. حيث تقدس الأرض

 

 

 

 

بين أصالة البنيان و عظمة الإنسان، يقف الزمان، فوق سفوح الشاهقات هناك شاهدا على مجد صنعه الأجداد، وتركوه للأحفاد إرثا خالدا، يروي لهم قصص عدة و حكايات، مصورا لهم قسوة البدايات و منتهى الغايات. 

 

بينما كنا نشق طريقنا بين تلك الجبال الشامخة صوب أحد أهم مكاتب يافع و عاصمتها بلدة (لبعوس) ..... أسرتنا جميعا روعة تلكم المناظر التي أمتدت على طول حافتي ذلك الطريق ولوهلة خيل لنا أننا نسير في وسط لوحة غاية في الروعة و الجمال ، و أن الزمن قد أوقف مسيرتنا فجأة و أننا صرنا دون شك جزء لا يتجزأ من هذه اللوحة الحميرية الجميلة، التي بدت و كأنها تزينت بأبهى حللها إكراما لضيوفها الوافدين و المشاركين في مهرجانها الثراثي السنوي. 

 

لوحة حكت لنا تفاصيلها البديعة كيف تمكن الإنسان هنا في يافع على تطويع هذه الطبيعة القاسية بتضاريسها لخدمته فدانت له بالسمع و الطاعة، و كشفت لنا سر بقاء دولة حمير منيعة عن أي غزو أجنبي لأكثر من ستة قرون من الزمان ، ذلك السر لا يكمن فقط في جغرافية الأرض وحدها .... بل كان للإنسان الذي سكن هذه الأرض في تلك الأزمنة الغابرة كلمة الفصل فيه ، حيث كان حينها ذلك الإنسان يأكل مما يزرع و يلبس مما يصنع غير عابها لقسوة الطبيعة و سطوة جبروتها. 

 

هناك في ( لبعوس) و تحديدا في ( قدمة) تتجلى للمرء منا مدى كرم و حفاوة أبناء يافع حين يحل أحدهم ضيفا عزيزا عليهم ، فتلك الوجوه البشوشة التي تستقبلك بالإبتسامة و الترحاب و كأنها تعرفك منذ زمن لم تزل صورها عالقة في الذاكرة.... و لأن الأبناء دوما ما يكتسبون سلوكهم من الآباء لم نحتاج الى وقت طويل لأن نشعر بتلك الحفاوة و ذلك الترحاب الكبيرين و هما يحيطان بنا من كل جانب عند مقابلة الشيخ عبد الرب النقيب شيخ مشايخ يافع و أكبر أعيانها و عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي لنا في ديوان منزله هناك في لبعوس ( قدمة).

 

يقدس أبناء يافع أرضهم و يحبونها كثيرا، لأنهم يدركون جيدا قيمة ذلك التاريخ و الإرث العظيم الذي تركه لهم أجدادهم على هذه الأرض و حافظ أبائهم عليه جيلا تلو جيل، فإبن يافع برغم بساطته و تواضعه و ذماثة أخلاقه و حسن سلوكه تتسيد روحه العزة و ترتسم على ملامح وجه معالم الشموخ و الكبرياء .... و أنى له أن يكون غير ذلك و هو من أرض اسمها يافع.