خصوم الانتقالي وسياسة السيارات المفخخة ..!
خالد سلمان
الجمعة 16 قتيلاً من القوات الجنوبية في مودية والعديد من الجرحى في حصيلة أولية. &nb...
في مثل هذا اليوم الأسود على شعب الجنوب ووطننا الغالي عادت بي الذاكرة إلى قبل عقدين ونيف من الزمن، حيث كنت في الثامنة من عمري، وتحديدا في فترة اندلاع الحرب الظالمة التي شنها نظام الهالك عفاش بمباركة وشرعنة من أصحاب اللحاء الحمراء الغلاة التكفيريين، حينها كنت مع رفاق الطفولة صغارا لا نفقه شيئا من دهاليز السياسة أو تحليلات الحروب، ولكنّا كنا أحيانا نتحدث بحديث سياسي لا نفهمه، وكنا نناقش أحداث حرب تدور رحاها ولا ندرك لها معنى.. أذكر أنني دخلت في تحدٍ قوي مع بعض رفاقي الطيبين حيث انقسمنا لفريقين اثنين، فريق يؤيد "علي عبدالله صالح"، وفريقي الذي يؤيد "علي سالم البيض"، حيث كنا نظن أنها معركة شخصية نشبت بين الشخصيتين، وببراءه انقسمنا وانحزنا تجاه الشخوص، ولم نكن ندري وندرك أنها معركة أحرار وطن شرفاء مع غزاة محتلين طامعين.
ففي صباح كل يوم كنا نلتقي لنستعرض يوميات الحرب، وكل فريق يتحدث عن إنجازات فريقه وما تحقق من انتصارات، كنا نتحدث بحدود ما نفقه ونعي، ولا أخفيكم أننا كنا نستمد بعض معلوماتنا ونصيغ مواقفنا من مواقف أهلنا المناصرة لأطراف الحرب..
لن أطيل عليكم بتفاصيل كثيرة وسأنتقل بكم لذلك اليوم الأسود الذي طوينا فيه قصة دولتنا الرائدة وفقدنا فيه لأجل وطننا الحبيب، ففي صبيحة ذلك اليوم المشؤوم (الذي حوله الجنوبيون لاحقا لذكرى يوم الأرض يستلهمون منه روح الانتماء لوطنهم) حضر الطرف المنتصر "الرفاق الأعزاء" وببراءة تامة يستعرضون نشوة انتصار فريقهم، ولم يكونوا يدرون أنه "انتصار" سيقودهم ويقود وطنهم ومستقبلهم نحو الهاوية، لم يكونوا يدرون ولم نكن نحن ندري أن حفلة النهب والسلب وطمس هوية الوطن من قبل عفاش ومنظومته المنتنة قد بدأت، وأن مرحلة تدمير كل جميل في وطننا قد رأت النور في ذلك اليوم الأسود ٧ / ٧ / ١٩٩٤م
أما نحن فريق "المهزومين" ذهبنا نحو بيوتنا وأعيننا تفيض من الدمع حُزناً، شعرتُ حينها بألم وحسرة المهزوم، كانت دموع حب صادقة وبريئة، صحيح أني لم أكن أبكي بوعي تجاه مستقبل الوطن، بل كان بكائي فطري بسبب خسارتي التحدي مع بعض رفاقي، وبسبب شعور حب عظيم كان ولا زال حاضرا في نفسي تجاه رجل عظيم بحجم "الرئيس علي سالم البيض"، هذا الرجل الفدائي الذي ضحى بنفسه ومنصبه، ضحي بوطن وعلم وأرض وثروة، ضحى بمجد الحكم والرئاسة الذي لم ولن يستطع أي رجل عادي أن يتخلى عنه ويتركه بسهولة، ترك ذلك كله انتصارا لتحقيق مبادئه العظيمة لجمع شمل الأمة العربية وتوحيد كلمتها وفي صنع بذرة وحدة عروبية شاملة، لكنه للأسف وببراءة تامة وفطرة سوية سليمة أدخلنا في نفق الوحدة المظلم، ببساطة لأنه لم يكن يدري أن نهج ثعالب المكر الشمالي الغدر والخيانة، وأنهم كانوا يعدون العدة للإنقضاض على الجنوب منذ اليوم الأول.
أما اليوم ومن وحي تلك الدموع ودموع الآلاف من شعبنا الجنوبي، دموع الأسى والحزن الذي أدخله نظام المحتلين الظالمين إلى كل بيت جنوبي.. اليوم ومن وحي تضحيات الشهداء والجرحى الجنوبين الذين فدوا تربة الوطن بأنهار من الدماء الزكية من أجل اقتلاع ذلك المحتل الهمجي المتخلف، ها نحن نرى بريق أمل خلاص الوطن من محنته يلوح في الأفق لأن الحنوب ولّاد بالمناضلين والمخلصين وليتأكد المؤكد أن تلك الحرب كانت خاسرة في جولتها الأولى، أما جولتها الثانية فمنتصرة لا محالة بإذن الله، وسيبقى الوطن لأهله وسيلفظ عدوه وعدو أهله.