في ذكرى #الجيش_الجنوبي ..!

 


يصادف اليوم الذكرى التاسعة والأربعين للجيش الجنوبي (جيش جمهورية اليمن الديمقراطية) الذي جرى تكوينه وبناؤه بمراحل زمنية عسيرة وصعبة لكنها كانت حافلة بالنجاحات والانتصارات والعطاءات والمكاسب التي كانت محسوبة للشعب والوطن، قبل ان تُحسَب لأفراد الجيش وقياداته، وقيادة البلد، في ذلك الزمن.

قصة الجيش الجنوبي تمثل تكثيفا لقصة الشعب الجنوبي وتجربة الثورة وبناء الدولة الجنوبية، وقد أوضح الأخ العزيز الرئيس علي ناصر محمد تفاصيل مهمة في قصة نشأة وتطور وبناء الجيش ووصوله إلى ذلك المستوى المهاب الذي جعله ذا سمعةٍ إقليمية ودولية لا يمكن القفز عليها.

لم يكن من قبيل الصدفة أن منتصري حرب 1994م استهدفوا أول  ما استهدفوا جهازي الجيش والأمن الجنوبيين الذين جرى تدميرهما وتشريد قادتهما وتحويلها إلى ما صار يعرف بحزب "خليك بالبيت" وهذا الاستهداف بقدر ما مثل عملية انتقامية أساسها الحقد على الجنوب وتاريخه، فإنه مثل استهدافا لإحدى رمزيات التاريخ الجنوبي وأحد منجزات ثورة الرابع عشر من أوكتوبر وانتقاماً من هذه الثورة نفسها بغض النظر عن احتفال المنتصرين بذكراها على طريقة قتل القتيل والسير في جنازته.

لن أضيف كثيرا إلى ما تناوله الكثير من الزملاء الذين تحدثوا عن هذه المناسبة وسجلوا ذكرياتهم عن ذلك الزمن الذي يصفه الجنوبيون بـ"الزمن الجميل"، خصوصاً وإنني لم أنل شرف العمل في المؤسسة العسكرية ولا حتى فترة الخدمة العسكرية نظرا لانتدابي للعمل في سلك التدريس، لكنني أشير هنا إلى مزية لم يتعرض لها الكثيرون في ما يتعلق بجيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وهي ميزة التربية الوطنية القائمة على الولاء للوطن، ولا أحد غير الوطن.

كان القائد العسكري الذي يضطر لاستخدام سيارة العمل لإعادته إلى المنزل بعد الدوام يأمر السائق بإعادتها إلى المعسكر، والعودة إلى منزله بسيارة المناوبين، وقال لي أحد الشباب الفلسطينيين ممن درسنا معاً وكان في لبنان زمن الحرب ومشاركة ما عرف بقوات الردع العربي وشارك في بعض الوحدات الفلسطينية : 
ـ لم أر أنزه ولا أشجع ولا أكثر تواضعاً وصدقا من الجنود والضباط الجنوبيين، 

وأضاف: 
ـ لقد تعجبت أن الجنود ينادون القائد: يا رفيق، ويرد عليهم بنفس النداء، كانوا يتعاملون كزملاء وأصدقاء حتى أنك لا تستطيع التمييز بين القائد والجندي ما لم يكونوا مرتديين الزي العسكري.

 وقال: 
ـ كان الجنود من بقية البلدان ينادون قادتهم بعبارة: سيدي، وكثيرا ما كانوا يعانون من الإهانة والشتم والتوبيخ والعقاب على يد القادة، بينما كان الجندي الجنوبي يتمتع بثقة بالنفس أولا وثانيا بالانضباط الصارم، فلم يذهب أحد منهم إلى الملاهي ومواقع العبث والتسلية والنزوات، بل كانوا يتقيدون بتوجيهات قيادتهم ويعتبرون مخالفتها خيانة وجريمة.

لقد كان العمل في الجيش والأمن  ميزةً يتفوق بها كل فرد، وكانت الجندية شرفا يتمنى الكثيرون الانتماء إليه لما تمثل من فخر ونقاء وكبرياء وانتماء وتميز في العطاء.

لم يكن من بين القادة حتى العام 1990م من يملك رصيداً بنكياً أم مساهمةً في أي مشروع استثماري، ولم يسخر أحدٌ وظيفته للإثراء أو الكسب الشخصي على حساب بقية زملائه أو على حساب الوظيفة التي يشغلها، بل كان ديدنهم هو الوطن ولا شيء غير الوطن.

الذين يتحدثون اليوم عن انتشار ما يسمونها "مليشيات" في مدن ومناطق الجنوب ينسون أن جيش الجنوب تعرض للتفكيك والتدمير، وأن الجنوب ظل على مدى ربع قرن ونيف بلا مؤسسة عسكرية، وأن العسكرية ظلت حكرا على أشقائنا في الشمال، وعلى مديريات محددة كما يعترف الكثير من مثقفيهم، وأن جزءً كبيرا من مكونات "القوات الجنوبية " التي يسمونها "مليشيات" آتون من هذا الجيش العظيم، وأن الجيل الشاب  في قوات المقاومة الجنوبية الذين حسموا المعركة مع التحالف الانقلابي في العام 2015م هم من أبناء وأحفاد هذا الجيل العظيم، وعلى الذين يعتبرون المقاومة والقوات المسلحة الجنوبية "مليشيات" أن يعلموا أن البديل لهذه (المليشيات) كما يدعون، هو الخضوع لجيش الغزاة الذين دمروا الجنوب مرتين ويحاولون اليوم تكرار الغزو للمرة الثالثة.

الذين يتحدثون عن "مليشيات جنوبية" يقعون ضحية خديعة مليشيات أخرى وحقيقية، وهي ما تسمى زورا وأفكاً بـ"الجيش الوطني" الخاضع لتنظيم أيديولوجي يخلط بين ثقافة الإرهاب وادعاء الوطنية، وبين خدمة التنظيم الدولي الحالم قادته ببناء دولة الخلافة، وهذا ليس موضوع هذه الوقفة.

ستبقى ذكرى الجيش الجنوبي خالدة في ذاكرة الأجيال وسيستمد منها جنود وقادة الغد العبرة والخبرة والمثل الأعلى في مستقبل القوات المسلحة الجنوبية.

ألف تحية وسلام لمؤسسي وقادة وأفراد الجيش الجنوبي الأبي
والرحمة والمغفرة لشهداء قواتنا المسلحة الجنوبية
وكل عام وقواتنا المسلحة بألف خير

مقالات الكاتب