طريق با تيس ـ رصد المشوار الذي يأبى أن يكتمل "2"

 

بعد حرب 1994م الظالمة على الجنوب والتي أسقطت كل ما حققه الجنوب من مكتسبات ومنجزات ومصالح لعموم أبناء الشعب مهما كانت متواضعة، لم يكن شطب  مشروع طريق باتيس ـ رصد سوى نقطة متناهية الضآلة في خارطة طويلة عريضة من مساحات التجاهل والتهميش والاستبعاد الذي تعرض له كل الجنوب.

ولا يمكننا تجاهل المحاولات الكبيرة التي بذلها أعضاء مجلس النواب عن دائرتي رصد وسرار وسباح خلال تلك الفترة ومعهم الإخوة مدراء المديريات الثلاث لكن تلك الجهود كانت تضيع في بحر البروقراطية والتجاهل وربما المحاربة والتضييق.

ومن الواجب هنا الإشارة إلى اسمين من بين الكثيرين ممن يستحقون الذكر بالتقدير والعرفان في ما يتعلق بمحاولات اعتماد المشروع وأقصد هنا رئيس الوزراء الأسبق المرحوم الأستاذ عبد القادر با جمال والمحافظ الأسبق لمحافظة أبين المهندس فريد أحمد مجور الذين بذلا جهدا صادقا في محاولة تدبير المصدر المالي، ومن ثم البدء بتنفيذ الخطوات الأولى للمشروع.

بعد سلسلة طويلة من المتابعات من قبل كثير من المسؤولين في المحافظة والمدراء والنواب وأعضاء مجلس الشورى  والوزراء من أبناء المديريات المستهدفة بالمشروع، وبالذات مديريات رُصُد وسرار وسباح، تم الاتفاق مع الأخ رئيس الوزراء المرحوم عبد القادر با جمال والأخ الوزير عبد الله الدفعي باعتماد التمويل لمشروع طريق با تيس ـ رصد ضمن المشاريع القطرية التي جرى اعتمادها خلال الفترة ما بعد 2004م وكانت المنحة القطرية قد شملت أربعة مشاريع هي : قاعة المؤتمرات الدولية، طريق الحزم ـ العدين، طريق الخوخة ـ المخا وطريق خولان ـ الحدا، غير أن الأخ الفقيد با جمال الله يرحمه اقترح لوزير الأشغال استبدال مشروع خولان ـ الحدا، والذي سيشمله مشروع الطريق الدولي عمران ـ عدن، واعتماد بدلا عنه طريق با تيس ـ رصد، وهكذا تمت الموافقة المبدأية على اعتماد المشروع وفقا لهذا الأساس، وعند إجراء المناقصة فازت بالمشروع المؤسسة العامة للطرق والجسور التابعة جزئيا لوزارة الأشغال العامة والطرق، أيام الوزير المهندس عُمر الكرشمي.

وقد أبدى الأخ المحافظ طيب الذكر المهندس فريد مجور حماسا منقطع النظير لتنفيذ هذا المشروع وما أزال أتذكر الرحلات الشاقة التي كان فيها منافسا صعبا في قطع المسافات بين زنجبار ورصد عبر ثنهه وحطاط وسرار ورصد ثم معربان وردفان والعودة في نفس اليوم إلى عدن وكنا نجد صعوبة كبيرة في اللحاق به وبمرافقيه، عندما كان الإخوة المندوبين القطريين يأتون لمعاينة الطريق أو لمتابعة مستويات التنفيذ، وأفيد هنا إلى أنه وفي إحدى الرحلات مع الإخوة القطريين تم الاتفاق المبدأي معهم على إضافة المسافة ما بين رصد ومعربان ليتصل الإسفلت بالإسفلت.

ربما سأحتاج إلى عدة صفحات للتعرض للأسماء التي ساهمت بحماس ورغبة وغالبا بطوعية لمتابعة اعتماد المشروع والتشجيع على تنفيذه، وأخشى أن أنسى البعض ممن يستحقون الذكر، ولذلك أعتذر من الجميع، ممن لم يتسنى لي التعرض لمشاركاتهم الفاعلة في الترويج والحملات الإعلامية ومتابعة إجراءات التنفيذ في صنعاء، فللجميع التحية والتقدير.

سأشير أخيراً إلى أن المشروع كان قد قطع شوطاً مهما حينما تجاوزت الآليات وعمليات الشقّ عقبة ثنهة وبدأت النزول باتجاه وادي ساحب ولم يكن ذلك بدون صعوبات ومعوقات بعضها طبيعيٌ وهو مقدور عليه وبعضها كان مفتعلاً وهو ما أنهك الإخوة المشرفين على التنفيذ، وما زلت أتذكر الشكاوي التي كان دائما يبلغني بها مشرف المشروع المهندس هشام عباس الذي نجح بمساعدة الخيرين من أبناء المنطقة في امتصاص الكثير منها.

لكن في العام 2011م وبعد استبعاد المحافظ المحترم المهندس فريد مجور وتسلم المحافظة من قبل الأخ أحمد الميسري دخل المشروع مرحلة الركود ثم التعطل والتعطيل، وقد أسدل الستار على بقاياه حينما جرى تسليم المحافظة لمن سموا بـ"أنصار الشريعة" واضمحلال الدولة وكافة الأجهزة والمعسكرات والفيالق العسكرية بغمضة عين من كل مديريات المحافظة في لغزٍ لم يتم الكشف عنه حتى اللحظة.

ختاما: هل يمكن استنهاض القوى وإعادة محاولة استكمال المشروع، بالوسائل المحلية أو بالبحث عن مصدر تمويل خارجي، بعد أن تغير الأمر وانسحبت الشقيقة قطر مما يتعلق بمشاريع التنمية في المنطقة؟؟

أشير هنا إلى أن اعتماد المشروع وفقا للمناقصة في العام 2008م (إن لم تخنني الذاكرة) قد كان حوالي 120 مليون دولا، وربما أكثر وللأسف كان قد نفذ حوالي ثلث المشروع وأكثر، مما كان يتطلب استكمال بعض التشطيبات لكن التوقف عن العمل وعدم توفر الصيانة والوسائل الحمائية قد عطل معظم أجزاء ما أنجز وساهمت السيول والفيضانات في جرف أجزاء كبيرة منه، ما يعني أن المشروع قد يتطلب نفس المبلغ إن لم يكن أكثر بعد ما شهده العالم من تغير في الأسعار والعوامل والظروف الأخرى.

إنني أحيي الجهود التي يبذلها الناشطون الإعلاميون والمجتمعيون والمنظمات والجماعات الخيرية والوجاهات الاجتماعية والمغتربون، وأعتقد أن الجميع يتحمس لإعادة تفعيل المشروع ووفقا لأسس علمية وهندسية دقيقة، وبجانب حملات التبرع التي فتحها المشرفون على الحملة أعتقد أنه يمكن البحث عن ممول إقليمي أو دولي وأتوجه هنا بالدعوة إلى عرض المشروع على البرنامج السعودي لإعادة الإعمار باعتبار المشروع كان ضحية من ضحايا الحرب مع الإرهاب والحرب مع الانقلاب الذي أدى إلى تعطيل كل جوانب الحياة ومشاريع التنمية والتطوير، وإذا كانت دولة قطر حينها قد أبدت الاستعداد لتحمل المشروع ضمن أربع مشاريع أخرى جرى تنفيذ معظمها فأظن أن الأشقاء في المملكة العر بية السعودية يستطيعون تبني ما لم تستكمله دولة قطر وهم أهلٌ لذلك..
والله ولي الهداية والتوفيق

مقالات الكاتب