الطيبون يرحلون بصمت ..!

 

 

لم أكد أفيق من صدمة وفاة الزميل والصديق محمد الصبري، حتى فوجئت بنبأ وفاة الشاعر الجميل والناقد الأدبي المتمبز، كثير الإبداع قليل الصخب، علي أحمد با رجاء، شاعر سيؤون ووادي حضوموت وكل الجنوب واليمن.
كعادة أهلنا الحضارم، كان علي قليل الكلام عن نفسه وحتى في الأشياء العامة، لكنه ما إن يصعد إلى المنصة ليلقي قصيدته حتى يبهر الابصار ويسحر الأسماع ويسلب ألباب المتابعين بجمال العبارة وسحر الصورة وعبقرية المفردة الشعرية.
التقينا كثيرا في صنعاء في إطار أنشطة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، حينما غدا عضوا في المجلس التنفيذي للاتحاد ورئيس فرع سيؤون، وحينما زرت سيؤون اتصل بي وزارني إلى الفندق، وأصر على أن يستضيفني، وقضينا ساعات قليلة لكنها كانت غنية بالنقاش الأدبي والثقافي وتبادل الهم المجتمعي والاقتراب من علي الإنسان الحساس الرقيق النبيل والمبدع.
مات في القاهرة حيث ذهب ليتعافى، وشخصياً أصبحت أرتعد خوفاً كلما قيل لي ان فلاناً سافر للعلاج في القاهرة، مع يقيني ان لا علاقة للمكان بالموت والحياة.
* * *
ولم تمر ساعات حتى جاءت الصدمة التالية بنبأ وفاة الفنان الكبير أنور مبارك صاحب الصوت الجميل والحضور البهي والمقامات الموسيقية الأخاذة.
سطع اسم أنور مبارك في منتصف السبعينات من القرن الماضي، مرحلة النهوض الفني والإشعاع الثقافي والزهو الادبي والفكري في عدن والجنوب، عندما سجل نشيد "بلادي أغني فهذا الصباح" من كلمات المرحوم الدكتور عبد المطلب جبر التي كتب كلماتها حينما كان طالباً في كلية التربية بعدن، واستمر عطاء أنور مبارك من خلال حزمة جميلة من النصوص الغنائية مثل: "يا أغلى الحبايب"، "غالي غالي"، "وعد مني"، "بعد ذاك الزمن"، "أيش جرى لك"، "نجوى الحبيب"، "عيني على الزين"، "ما اشتيش عتاب" كما غنى للمرحوم محمد عبده زيدي "السعادة" و" ويا قلبي كفاية" وغيرهما.
في الثمانينات كان أنور مبارك واحداً من نجوم فرقة الإنشاد العدنية، وشكل مع نخبة من الفنانين والفنانات الشباب الرائعين لوحة غنائية جمالية لا تتكرر، وما زلت أتذكر تلك اللوحة الجميلة التي كانت تصورها الفرقة من على الشاشة الصغيرة حينما كان فريقها يترنم بتلك الأغاني التراثية الخالدة مثل: حيا ليلي جميلة، صبوحة، وا على امحنى، نجيم الصباح، يا من هواه أعزه وأذلني، يا رب سالك، شل الشلن، أحبك يا غالي، الهاشمي قال هذي مسألة، شراح، حرام عليك، وغيرها وغيرها.
بعد العام 1990، وخصوصا بعد 1994م، انكفأ صاحب الصوت الجميل الفنان أنور مبارك، ومعه فرقة الإنشاد التي اضمحلت بعد أن مثلت مرحلة من أكثر المراحل الفنية إشراقاً، مثلما انكفأت الكثير من الملامح الجميلة لعدن والجنوب، ولم أعد أسمع لأنور مبارك إلا ما سبق تسجيله، لأفاجأ بالأمس بخبر وفاته الذي أضاف سبباً إلى أسباب الحزن المخيمة على أجواء عدن ومحبي عدن
ألف رحمة تغشى أرواح الأحباب الذين غابوا عنا في غفلة من الزمن.
وعزاؤنا لكل محبيهم وأهلهم وذويهم.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مقالات الكاتب