سلاح الخصوم "القذر" لتركيع الجنوبيين.. «كهرباء العاصمة عدن» معاناة دائمة ولا حلول جدية في الأفق ..!
سياسة (لا أخلاقية) استخدم خلالها (الأقوياء) عذاب الخدمات المرتبطة بمعيشة المواطن البسيط - أهمها الكهرباء - سلاحاً لتركيع الخصوم وإجبارهم على تقديم تنازلات، ووسيلة للعقاب الجماعي لتحقيق مآرب سياسية، أو لتمرير أجندة ونيل مصالح أخرى.
ومؤخراً، عاد سيناريو الانهيار التدريجي لمنظومة كهرباء العاصمة عدن إلى الواجهة، عقب تحسن لا بأس به شهدته خلال شهر رمضان المبارك. فمنذ أيام تعاني المدينة من أزمة خانقة، حيث وصلت ساعات الانقطاعات إلى 20 ساعة يوميًا، مقابل 4 ساعات تشغيل.
وعزت مصادر مطلعة أسباب هذه الأزمة إلى عوامل متعددة أهمها: العجز الكبير في القدرة التوليدية، حيث تبلغ أحمال الكهرباء في العاصمة عدن حوالي 550 ميجاوات، بينما لا تزيد القدرة التوليدية لمحطات الكهرباء عن 200 ميجاوات فقط، موزعة بين محطات حكومية وأخرى تعمل بالطاقة المشتراة.
وبحسب المصدر، ترتفع الأحمال بسبب موجات الحر، لاسيما وأن مدينة عدن تشهد حاليًا موجة حر شديدة، مما أدى إلى مضاعفة الأحمال بشكل كبير.
بالإضافة إلى شحة ونفاد وقود الديزل والمازوت ونفاد النفط الخام الخفيف الخاص بمحطة بترومسيلة بالحسوة، حيث تعاني هذه المحطة - وهي كبرى محطات توليد الكهرباء في العاصمة عدن - من نفاد النفط الخام الخفيف، مما أدى إلى خروجها عن الخدمة.
وأدى الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي في العاصمة عدن إلى مضاعفة معاناة المواطن البسيط، وتزداد ضراوتها مع قدوم فصل الصيف، الأمر الذي يعرض حياة كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة والأطفال للخطر.
كما تتعطل مصالح المواطنين والتجار والمصانع والورش، وغيرها من الأعمال المرتبطة بالكهرباء، كما يلحق انقطاع التيار الكهربائي المتكرر أضراراً وخسائر كبيرة بالاقتصاد والمواطن على حد سواء.
- بن مبارك يوجه بتشكيل خلية أزمة:
في السياق، قام رئيس مجلس الوزراء، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، في منتصف أبريل المنصرم، بزيارة ميدانية مفاجئة إلى مقر المؤسسة العامة للكهرباء بمديرية المنصورة في العاصمة عدن، لمتابعة أسباب الانقطاعات المتكررة، وبحث الحلول الواجب العمل عليها لتخفيف معاناة المواطنين.
واطلع دولة رئيس الوزراء، على مستوى الانضباط الوظيفي في المؤسسة العامة للكهرباء في أول أيام الدوام الرسمي عقب انتهاء عطلة عيد الفطر المبارك، واستمع إلى شرح حول المهام التي تنفذها المؤسسة، والخطط الموضوعة للقيام بمسؤولياتها وواجباتها في هذا القطاع الحيوي الذي يمس معيشة وحياة المواطنين.
وعقد بن مبارك اجتماعاً مع قيادة المؤسسة، ووجه بتشكيل خلية أزمة معنية بملف الكهرباء لمتابعة التطورات أولاً بأول، تعقد اجتماعاتها بشكل مستمر وتحدد الإجراءات المطلوبة ومتابعة تنفيذها، بما يمكن من المحاسبة والمساءلة تجاه أي تقصير.
- تشغيل مصافي عدن هو الحل
في سياق ليس ببعيد، وخلال تصريح صحفي، أوضح الخبير النفطي والاقتصادي الدكتور علي المسبحي، بأن مصفاة عدن تدفع ثمن توقفها كلفة باهظة بلغت حوالي 10 مليارات دولار، خسرتها المصفاة والخزينة العامة منذ توقف المصافي قبل حوالي ثمانية أعوام وحتى يومنا هذا.
وقال المسبحي: لقد مرت فترة ثمان سنوات وما تزال مصافي عدن معطلة وغير قادرة على التشغيل لأسباب غير معروفة وربما غير واقعية، ولكن يبقى التساؤل القائم: هل يحتاج تشغيل مصفاة عدن إلى قرار سياسي أم إن المشكلة فعلاً مالية فقط؟ وهل الدولة قادرة على تشغيل المصفاة أم إن القرار ليس بيدها، أو أن هناك أيادي خفية تعبث وتسعى إلى إطالة أمد التعطيل، وتقف خلف ذلك جهات مستفيدة من قرار تحرير استيراد المشتقات النفطية، بالتعاون مع أطراف حكومية مرتزقة هدفها خدمة هوامير ومتنفذي النفط الذين أصبحوا مليارديرات في فترة وجيزة على حساب قوت المواطن وفساد الدولة، مما تسبب في استيراد أنواع رديئة من المشتقات النفطية وذات جودة منخفضة وبأسعار باهظة من خزينة الدولة، ربما تؤدي إلى تعطيل محطات الكهرباء وتلوث الهواء وانهيار أسعار الصرف.
وأوضح الدكتور المسبحي أن على الحكومة الإسراع في تشغيل مصافي عدن، وخاصة بعد أن تم فتح ميناء الحديدة، حيث انخفضت إيرادات مصافي عدن بشكل كبير ، بانخفاض عدد السفن النفطية الواصلة إلى ميناء الزيت من 120 سفينة وقود في عام 2021م إلى حوالي 92 سفينة وقود عام 2022م، إلى حوالي 30 سفينة وقود خلال الخمسة الأشهر الأولى لعام 2023م، إذ تعتبر عمولة الخزن إحدى أهم المصادر الرئيسية للإيرادات وانخفاضها قد يتسبب بنقص شديد في السيولة النقدية، مما قد يتعثر معها دفع النفقات الثابتة والتشغيلية خلال الفترة القادمة.
وأشار الخبير النفطي د. علي المسبحي إلى أن قيمة صادرات الدولة من النفط الخام لعام 2022م بلغت مليار دولار ونصف، لكمية نفط خام مصدرة بلغت 20 مليون برميل، بينما بلغت قيمة الواردات من المشتقات النفطية لعام 2022م حوالي 3 مليارات دولار. وبمعادلة بسيطة تبلغ احتياجات محافظات الجنوب سنوياً من الديزل حوالي مليون طن متري، بينما البنزين والمازوت 500 ألف طن متري لكل واحد منهم، بينما بقية المشتقات النفطية أقل بكثير، وهذه الكميات من المشتقات كفيلة بإنتاجها مصافي عدن بكمية نفط خام تبلغ 20 مليون برميل سعره عالمياً مليار دولار ونصف، بالإضافة إلى 500 مليون دولار نفقات جارية وتشغيلية واستثمارية للمصفاة وضرائب للدولة، بإجمالي 2 مليار دولار. وبمقارنته مع قيمة واردات المشتقات النفطية يكون الفارق مليار دولار سنوياً ستوفرها خزينة الدولة، بالإضافة إلى تصدير بقية المشتقات النفطية الفائضة عن حاجة السوق المحلية.
وطالب الخبير النفطي والاقتصادي الدكتور علي المسبحي الرئاسة والحكومة بتحمل مسؤوليتهم القانونية والإنسانية والأخلاقية، في الإسراع بإعادة تشغيل مصافي عدن، كونها الحل الوحيد المنقذ لكافة مشاكل الخدمات، من وقود الكهرباء وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وصرف مستحقات عمال المصفاة وصيانتها، وإنهاء الفساد، وتوفير العملة الصعبة للبنك المركزي، وبالتالي تخفيض أسعار الصرف.
- تشغيل المصفاة ينهي أزمة شحة الوقود
إلى ذلك، وخلال رسالة وجهها المستشار أحمد مسعد علي الخيلي، عضو مجلس المستشارين بالمجلس الانتقالي الجنوبي، إلى نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اللواء عبدالرحمن المحرمي (أبو زرعة)، أكد أن إعادة تشغيل مصافي عدن كفيل بإنهاء شحة الوقود، ورافد مهم للاقتصاد الوطني.
وقال الخيلي في رسالته: باعتباركم المسؤول عن الملف الاقتصادي، وما لمسناه منكم من الجدية والمصداقية في متابعة العديد من الملفات الاقتصادية الهامة، نرجو تدخلكم المباشر باتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادة شركة مصافي عدن لنشاطها.. ونحيطكم علماً أن شركة مصافي عدن بإمكانها أن توفر الوقود لمحطات الكهرباء، وتؤمن احتياجات السوق المحلية من المشتقات النفطية وبأسعار زهيدة، وفقاً للأسعار العالمية، مع هامش ربح بسيط، فيما لو أن الحكومة اتخذت قراراً بشأن إلغاء إجراءات وزارة المالية بإجبار المصافي على دفع الضرائب والجمارك على كل صفقاتها، مما حرمها من الامتيازات التي كانت تتمتع بها الشركة كمنطقة حرة، بما فيها حق تأجير خزاناتها لشركات النفط العالمية كمنطقة حرة وبنظام الترانزيت، باعتبارها جزءًا من المنطقة الحرة بدون أي ضرائب أو جمارك في صفقاتها مع الشركات النفطية العالمية، وفقًا لقانون إنشائها وكذلك قانون المنطقة الحرة الذي حرص على أن تتمتع المصافي بهذا الامتيازات، ولها الحق أن تستفيد من تلك الشحنات بالشراء من تلك الشركات بالسعر العالمي، وكذلك تزويد السفن بالوقود، وهذا الامتياز سوف يمكن المصافي من تأمين الوقود للكهرباء بأسعار السوق العالمية، وضمان استقرار خدمات الكهرباء، وتأمين السوق المحلية بجميع المشتقات النفطية، وتأمين مخزون استراتيجي من جميع أنواع المشتقات النفطية كمخزون لفترة زمنية تتجاوز ستة أشهر، لمواجهة أي طارئ كما حصل في حرب عام 2015، إن قامت المصفاة بهذا الدور .
وقال المستشار الخيلي: إن هذا الإجراء الذي تم اتخاذه ترتب عليه الكثير من الأضرار المباشرة على المواطنين، نتيجة عدم قدرة الحكومة تأمين الوقود للكهرباء، وتم استخدام خدمة الكهرباء واحدة من أدوات حرب الخدمات منذ أكثر من تسع سنوات، وأيضاً فتح الباب على مصراعيه لنشوء الشراكات بين نافذين في السلطة وهوامير الفساد، من خلال شبكة المصالح والاستئثار بكل العائدات المالية، التي كان يفترض أن تكون في خزينة الدولة لو أن المصافي استمرّت في نشاطها كمنطقة حرة.. والحديث يطول عن الآثار السلبية التي تمخضت عن ذلك الإجراء.
وأضاف الخيلي: مما تجدر الإشارة إليه أن الرئيس القائد اللواء عيدروس الزُبيدي قد حاول أكثر من مرة الدفع باتجاه استئناف مصافي عدن لنشاطها، إلا إن هوامير الفساد وشركاتهم في أعلى هرم السلطة حال دون ذلك، بل وصل الأمر إلى تأثير إقليمي في بقاء المصافي على هذا النحو من الحرمان.
وعليه، نرجو من سيادتكم إلزام الحكومة ممثلة بالأخ أحمد بن مبارك رئيس مجلس الوزراء، باتخاذ قرار عاجل بإلغاء كل الإجراءات الباطلة وإعادة الامتياز للمصافي باعتبارها منطقة حرة، وهذا سوف ينعكس إيجاباً على خزينة الدولة والمواطن وجميع مناحي الحياة.
وختم المستشار الخيلي رسالته بمطالبة الحكومة بـ"اتخاذ قرار بإلزام الشركات والمؤسسات الحكومية، بسداد المستحقات المالية التي عليها لشركة المصافي، والتي تجاوزت عشرات الملايين من الدولارات، وإجراء المقاصة المالية مباشرة من حسابات تلك الشركات لدى البنك".
ختامًا..
يرى مراقبون أن تعطيل كهرباء العاصمة عدن، وكذا إعاقة تشغيل مصافي عدن، واستنزاف وتبديد إيرادات الجنوب، يندرج ضمن سياسة (لي الذراع)، وممارسة أقصى الضغوط على أطراف جنوبية لإجبارها على تقديم تنازلات، ولتأليب الشارع الجنوبي ضد المجلس الانتقالي الجنوبي.