روزنامة وطن يتألم.. «الجنوب» من دولة مؤسسات ونظام وقانون إلى مكب للنفايات اليمنية
لقد تغنى كثير من الشعراء في حب الوطن، وفي حبه خطوا أعظم القصائد، وقال الحكماء عنه أعظم المقولات الخالدة، وقالوا عن الوطن الكثير ولكن لم يوفونه حقه ولو بالشيء اليسير..
قالوا عن الوطن هو العزة والكرامة، وهو نبض القلب ونظر العيون، ولا يوجد ما هو أحق من الوطن في الحصول على أرواحنا، الوطن عزيز على الجميع وغالٍ على كل القلوب فإما أن نعيش في الوطن ونخدمه أو نموت من أجله. وقال آخر : وطني أنت الحضن الدافئ الذي يحتضنني يومياً، وأشعر فيه بسلام أسرتي.
والوطن هو المكان الذي نحبه، فهو المكان الذي قد تغادره أقدامنا لكن قلوبنا تظل فيه.
قال أحدهم «عندما يكون الوطن في خطر فكل أبنائه جنود»، وللأسف أن الجنوب منذ عقود في خطر ولكن أبناءه لايزالون في شتات، ففي العام 1990م فرط الجنوبيون في دولتهم، دولة النظام والقانون والمؤسسات، فأصبحت قابعة تحت سلطة احتلال قبلي همجي دمر كل شيء جميل فيها، وابتلع أصولها ومعالمها وحتى ثقافتها، وتحولت مع الوقت إلى مكب للنفايات اليمنية المختلفة (بشرية ومادية وفكرية).
وتساءل مراقبون: هل الحاصل هو عقوبة لايزال شعب الجنوب يستوفي مدتها؟! وكم هي مدتها بالضبط؟! أم أنها عقوبة أبدية؟! فمنذ ثلاثة عقود وشعب الجنوب لايزال يدفع الثمن غالياً على جريمة تفريطه في وطنه "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، دولة النظام والقانون والمؤسسات والمواطنة المتساوية.. ولكن هل هي عقوبة إجبارية فعلاً أم اختيارية؟
ما الذي يحدث بالضبط؟ وهل جهلنا وغفلتنا أوقعانا في شر أعمالنا؟! وكما يقول الأشقاء المصريون، "القانون لا يحمي المغفلين".
في تقريرنا هذا نستخلص بعضاً من النفايات اليمنية التي كُبت على الجنوب..
إذ قال ناشطون جنوبيون: إن الجنوب بات اليوم مكباً للنفايات اليمنية، بسبب تشرذم أبنائه وشرخ عصاهم، ولن تقوم لهم قائمة إلا برأب الصدع واستعادة اللحمة الجنوبية، والتخلص من النفايات وعلى رأسهم (رشاد العليمي وشلته الملوثة)، وغيرهم ممن لفظهم اليمن الشقيق واحتضنتهم الجنوب.
عقب العام 1990م تحولت دولة الجنوب "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، من دولة نظام وقانون قائمة على المؤسسات والعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات، بعيداً عن الجاه والمحسوبية وملحقاتها، إلى باحة خلفية لليمن، ومكب لنفايات "الجمهورية العربية اليمنية".
وكانت أولى خطوات النفايات بانتقال الجنوب من دولة تمتلك اقتصاداً قوياً، حيث كان كل شيء بيدها (ملكية عامة)، إلى لا دولة عقب دخولها في وحدة اندماجية غير متكافئة مع دولة رأسمالية اقتصادها بيد أفراد (ملكية خاصة)، فيما خزينتها العامة صفر.
نفايات استبدال النظام والقانون بقانون الغاب
نظام (البقاء للأقوى) حل بقوة وحلت الأعراف القبلية بدلاً عن القانون، وتفشي ظاهرة الثأرات والنعرات القبلية والمناطقية، وتدمير وخصخصة جميع مؤسسات ومصانع الدولة الجنوبية، بما فيها الجيش والأمن.
نفايات تربوية تعليمية
فعقب الوحدة اليمنية مباشرة تم إلغاء التعليم المجاني، ثم فقد المعلم الجنوبي هيبته واحترامه، ومعه فُقدت العملية التعليمية والتربوية برمتها، فانهارت تدريجياً حتى وصلت للحضيض، وبدأ مشوار تجهيل الشباب وإشغال الأسر الجنوبية بالبحث عن لقمة العيش، والتفكير في كيفية البقاء على قيد الحياة، مع تفشي ظواهر سلبية دخيلة على المجتمع الجنوبي.
نفايات صحية
تم إلغاء العلاج المجاني بكافة أشكاله في الجنوب، وتحول قطاع الصحة من خدماتي إلى تجاري، وتحول ملائكة الرحمة إلى ملائكة عذاب، والمستشفيات المجانية إلى مولات تجارية.
نفايات اقتصادية
باستبدال الدينار الجنوبي الذي كان يعادل ثلاثة دولارات ونصف بالريال اليمني فاقد القيمة الذي سقط أمام أول تحد، فلم يستطع الصمود أمام الأزمات لأن أساسه كان هشاً، وسار تدريجياً صوب الانهيار وصولاً إلى إيقاف الرواتب وانخفاض قيمتها الشرائية على طريق تجويع وإفقار الشعب الجنوبي، ثم التصدق عليه بفتات السلال الغذائية، وتفشي الفقر والبطالة وانحراف الشباب وكثرة المشاكل الأسرية.
نفايات إحلال وإقصاء وتهميش
الفترة من العام 1990م حتى 2023م تمثلت بالاستحواذ اليمني عليها، باستبدال كوادر الجنوب السياسية المؤهلة بعناصر يمنية قبلية متخلفة، مدراء مديريات ومحافظين وسفراء...إلخ، بجميع المناصب من أعلى إلى أسفل هرم الدولة، وتجريد الجنوب من كوادره وصولاً إلى تعيين (العليمي ومعين ومن تبعه) حكاماً عليه، وكأن الجنوب خالٍ من الكوادر المحلية أو أنه أصبح مختبر تجارب للفئران.
نفايات ثقافة اليمننة وملحقاتها
نفايات ثقافة اليمننة وملحقاتها، من الدحبشة والسمسرة والرشوة والسرقة والكذب والنصب والاحتيال والخيانة والمحسوبية والجبايات، والقائمة تطول من الظواهر والعادات التي لم تكن موجودة في الجنوب وباتت اليوم أشبه بعادات وتقاليد يصعب التخلص منها.
نفايات الإخوان والقاعدة وداعش
الأفكار الدينية المتطرفة الدخيلة، وما رافقها من فتاوى القتل بالجملة والتفرقة، لا تحتاج شرحاً.
نفايات الثأر وإحياء النعرات المناطقية
إحياء للنعرات المناطقية الجهوية التي ساهمت في إحداث شرخ دائم في جسد الدولة الجنوبية، وبقائها ضعيفة متشرذمة بضرب الحجر بأختها، وممارسة سياسة "فرق تسد"، ونبش ماضي الجنوب 1986م والضرب على وتره، مع وجود آذان جنوبية سخيفة صاغية.
نفايات المراكز والمنظمات الإنسانية
نفايات المراكز والمنظمات الإنسانية اليمنية بدلاً عن التزامات الحكومة المحلية، وما رافق عملها من فساد ومتاجرة المسؤولين والقائمين عليها، على حساب إفقار شعب الجنوب ونهب ثرواته وإيقاف عجلة التنمية فيه.
نفايات الاستيطان اليمني القديم والجديد
منذُ 1950م ثم 1990م ثم 2015م إلى 2023م، النازحون اليمنيون والمهاجرون الأفارقة القادمون عبر المنافذ المفتوحة عمداً، ولايزال مسلسل النزوح اليمني المسيس مستمراً، إلى جانب العمالة الوافدة غير النظامية، وانغماس عناصر استخباراتية وإجرامية بأوساطها بهدف إحداث أعمال تخريبية وتفجيرات، وكذا استنزاف الجنوب وإحداث تغيير ديموغرافي في التركيبة السكانية، وتدمير ما تبقى من البنية التحتية.
نفايات العصابات الإجرامية المنظمة
غذت اليمننة العصابات الإجرامية المنظمة والذئاب المنفردة، ومارست أعمال القتل والتقطع والحرابة، وتهريب المخدرات والأسلحة وخطف أطفال، والاتجار بالأعضاء البشرية، وجرائم عديدة يشيب لها الطفل، لم يعهدها الجنوبيون من سابق.
إنه الموروث اليمني ما بعد وحدة الضم والإلحاق، وتلك بعض مما ورثته الجنوب من تلك الوحدة المشؤومة، (تركة ثقيلة) يجب التفكير ملياً بها وفي كيفية التخلص منها، علماً أن ما ذكر كان مجرد رؤوس أقلام وما خفي كان أعظم وأمر، هي روزنامة سيئة، ولكن يجب ترديدها على مسامع أجيال الجنوب مراراً، كون الجرائم لا تسقط بالتقادم.