تقارير
د. صالح طاهر يکتب : #الحوار ومهمة ارجاع السياسة الى مدارات الحق الوطني لشعب #الجنوب
..
السياسة على مدى الخمسين عاما الماضية انفصلت عن ثوابت الحق الوطني للشعب، وسلكت طريق ساد فيه طغيان الايديولوجيا التي لا تعترف بأي حدود، فاضعف بالنتيجة الهوية الوطنية المستقلة لشعب الجنوب وافقدته سيادته على أرضه وحقه في تقرير مصيره. وهي الأبعاد الثلاثة لقضية شعب الجنوب. أن ذلك يعني انه بخروج السياسة عن مدارات الحق الوطني وتفريطها بثوابته وقد سارت بالاتجاه المضاد لإرادة الشعب، وكانت النتيجة خسران الشعب بكامل حقوقه الوطنية، فوجد نفسه يتصرف تصرف الغريب في وطنه، وعمت الصدمة لدى أوساط المجتمع الجنوبي.
ثانياً: الصدمة انتجت صحوة عامة بدأت بحوار شمل كل الشخصيات وكل مكونات المجتمع المدني والملتقيات الجنوبية، تركز على إصلاح ما خربته السياسة وادرك الجنوبيون ان ذلك ينبغي ان يتدرج بحسب الآتي:
1- إزالة الأسباب التي قادت الى فقدان الشعب لثوابته الوطنية والتي في معظمها وقوع الجنوبيون في حبال التيارات الأيديولوجية المتصارعة التي ساعدت على تفكيك وحدته الداخلية واضعافه والانقضاض عليه.
2- ومفتاح البدء في إزالة الأسباب يبدأ باتخاذ الخطوة العملاقة "التسامح والتصالح".
3- بفعل خطوة التسامح والتصالح تم التغلب على آثار صراعات الماضي واستعادة الوحدة الوطنية لشعب الجنوب.
4- التسامح والوحدة الوطنية بين أبناء شعب الجنوب أعادت الروح الى الجسد الجنوبي فأنطلق الحراك الشعبي الجنوبي بمرحلته السلمية الذي اعاد فيها الشعب تشكيل وعيه لذاتية الوطنية وبات على وعي تام بهويته الوطنية المستقلة وانه ليس شطر من شعب آخر ولا فرع من أصل. وبات على وعي أيضاً انه بوصفه شعب بهوية وطنية مستقلة فإن له حق سيادة على أرض محددة بحدود دولية معترف بها وله حق تقرير المصير.
5- شكلت ثلاثية ثوابت الحق الوطني عناصر الإرادة الوطنية لشعب الجنوب. وعلى ثنائية الوعي والإرادة الجديدتين التي تشكلت لدى كل الجنوبيين، حدد الحراك الشعبي الجنوبي أهدافه الوطنية الكبرى باستعادة دولة الجنوب الوطنية المستقلة بحدودها الدولية المعترف بها قبل مايو 1990م، وحدد الأهداف المتفرعة عن هذا الهدف الكبير بثلاثية استعادة الهوية والسيادة وحق تقرير المصير.
6- تم في سنوات الحراك السلمي حشد الشعب وتعزيز وحدته الوطنية وترسخ التسامح والتصالح وتهيئة كل اسباب التحول من الحراك السلمي الى المقاومة المسلحة، وجاءت حرب 2015م والجنوب جاهز للمواجهة العسكرية وتحرير أراضي الدولة الجنوبية وكان الانتصار العسكري الذي تحقق في 2015م ثمرة لكل ذلك.
ثالثاً: بالرغم من النجاح المذهل الذي حققه التسامح والتصالح والحراك الشعبي الجنوبي وتهيئة الشعب للمعركة الفاصلة، إلاّ انه كان يجري بموازاة ذلك صراع بين السياسة القديمة ومكوناتها الغير متناغمة مع إرادة الشعب من جهة وتطلعات شعب الجنوب الى صياغة سياسة جديدة وصرح سياسي جديد تتناغم توجهاته مع الإرادة الوطنية لشعب الجنوب وتعبر عنها من جهة ثانية:
1- الكل تابع المحاولات العديدة التي رمت الى صياغة سياسة جديدة، منها المحاولات التي جرت داخل الحراك الجنوبي، انتقل بنتيجتها الحراك الشعبي السلمي من حراك موحد الى حراك متعدد المكونات، ثم محاولات المؤتمر الجنوبي الأول في القاهرة الذي خرج بتوجهات ورؤى لا تلبي بالكامل الارادة الوطنية للشعب ثم ما لبث ان انقسم على نفسه، فجاءت بعده محاولة المؤتمر الوطني لشعب الجنوب الذي بني على تحالفات سياسية طغت عليها التكتيكات الغير محكومة باستراتيجيات عليا، فظهرت خلافاتها القوية في مؤتمر حوار صنعاء التي قاطعته معظم مكونات الحراك الجنوبي الأخرى مثلما قاطع العديد منها قبله المؤتمر الجنوبي الأول في القاهرة.
2- مجموع هذه المحاولات بينت للجميع ضرورة الانتقال في مسار البحث عن السياسة الجديدة المتناغمة مع إرادة الشعب من اروقة السياسات السابقة ومكوناتها الى الشعب بمكوناته الجغرافية والادارية والمجتمع المدني بكل قطاعاته الوظيفية.
رابعاً: بعد كل هذه المحاولات والانتصار الجنوبي في 2015م تم اعتماد خيار العودة للشعب ومكوناته فهناك ارادة شعبية موحدة ستساعد حتماً على صياغة سياسة وإرادة سياسية موحدة تتناغم مع إرادة الشعب الموحدة:
1- بعد حوار مطول شمل معظم شخصيات المجتمع المدني والشخصيات العامة وكل ممثلي النخب الفكرية والأساتذة الجامعيين، تم بنتيجة هذا الحوار صياغة جوهر السياسة الجديدة المعبرة عن أهداف الشعب وإرادته وتم تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي واختيار قيادة سياسية وطنية جديدة للمجلس اكتسبت مشروعيتها بمليونة التفويض الشعبي في 4 مايو 2017م.
2- ظهرت افرازات هذا التصادم السياسي في محورين:
- السياسة الجديدة المتناغمة مع الارادة الوطنية لشعب الجنوب يمثلها المجلس الانتقالي الجنوبي وتطرح هدف واضح لا لبس فيه هو العمل من أجل إستعادة دولة الجنوب الوطنية المستقلة بحدودها الدولية المعترف بها قبل عام 1990م.
- مجموعتين ساسيتين مازال ما تطرحه بعيداً عن التناغم مع إرادة الشعب، حيث لازالت تدور في أروقة السياسة القديمة وان اختلفت في شكلها، فهي تدور حول إصلاح الوحدة اليمنية باعتماد الشكل الفدرالي والخلاف بين المجموعتين حول عدد أقاليم الدولة البعض يراها اثنين وآخر يراها ثلاثة أو أربعة وثالث يراها ستة أقاليم. وهي جميعها ليس لها أساس واقعي وإتجاهات سبق تجريبها وكانت سبباً في تفجير حرب 1994م، وحرب 2015م.
3- التصادم بين الارادتين السياسيتين القديمة والحديدة بأهدافهما المختلفة فتح نافذة لتدخلات الغير في الشأن الجنوبي وتكريس التحكم في توحيه حركة الجنوبيين سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً، الأمر الذي كان له تأثير كبير على ايقاع وسرعة التحرك والفعل الجنوبيين، حيث خلق عوائق وعراقيل ابطأت الحركة صوب تحقيق الأهداف الوطنية الكبرى لشعب الجنوب. فتهيأت بفعل ذلك الأرضية لفتح حروب جانبية جديدة مثل حرب الخدمات واتساع نسبة العمليات المخلة بالأمن على امتداد الساحة الجنوبية وانتشار الفساد ودعم كل أسباب الفتن والصراعات بين الجنوبيين، وساهم كل ذلك في تدفق أعداد هائلة من النازحين الشماليين وانتشارهم في عدن والمدن الجنوبية الأخرى وتدفق اعداد هائلة من المهاجرين الغير شرعيين القادمين من الحبشة فخلق كل ذلك مشكلات اجتماعية وأمنية وخدمية زادت الأوضاع في الجنوب تعقيداً.
خامساً: لكل هذه الاعتبارات ومن أجل منع الصراعات والفتن بين أبناء الجنوب ومن أجل تعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء الجنوب والارتقاء الى مستوى القدرة على مواجهة التحديات والاخطار التي تحيط بشعب الجنوب وقضيته، رأى المجلس الانتقالي الجنوبي أن هناك حاجة لاطلاق حوار جنوبي للوقوف على هذه المشكلات تتحدد أهدافه بالآتي:
1- جعل السياسة والمشتغلين في حقل السياسة لدى شعب الجنوب متناغمة مع الإرادة الوطنية العامة لشعب الجنوب وتعبر عن أهدافه وطموحاته.
2- وطبقاً لذلك، الاقرار بأن الهدف العام الذي يجتمع عليه الجنوبيون هو إستعادة الدولة الوطنية المستقلة الكاملة السيادة لشعب الجنوب بحدودها الدولية المعترف بها قبل مايو 1990م، واستكمال تحرير أراضيها وبسط السيادة عليها.
3- الهدف الثاني الذي يجتمع عليه الحنوبيون هو بناء دولتهم القادمة على أساس اتحادي فيدرالي تقوم على التوازن الداخلي بين مكوناتها الجغرافية والإدارية، وتشمل معادلة التوازن الوطني بين مكونات الدولة كل هياكل البناء المؤسسي للدولة الاقتصادية والاجتماعية وبناء المؤسستين العسكرية والأمنية وكل هياكل البناء السياسي للدولة ويجسد كل ذلك في دستور دائم للدولة يكون بمثابة العقد الاجتماعي والقانون العام الذي تسري قواعده وأحكامه على كل مكونات الدولة الجغرافية والإدارية وكل قطاعاتها الوظيفية ومواطنيها.
سادساً: وواضح ان مواضيع الهوية والسيادة وتقرير المصير التي تمثل فروع تتفرع من الهدف الأصل والاسمى المتمثل بهدف إستعادة الدولة الوطنية المستقلة لشعب الجنوب وهدف إعادة البناء الوطني للدولة وإنشاء دستورها وإدارتها موضوعات تخص الشعب كله بكل مكوناته الجغرافية والادارية وتخص أيضاً المكونات الوظيفية في كل قطاعات الدولة (المجتمع المدني)، ومن ثم فهذه المكونات والقطاعات هي المعنية بالحوار الوطني حيث لا يجوز حزبتة الحوار وتشخصنته.
القضايا المطروحة للحوارذو طبيعة وطنية كبرى وينبغي ان يتصدى لها الشعب بكل مكوناته وقطاعاته . ونرى ان على الفريق الوطني للحوار المشكل من المجلس الانتقالي الجنوبي ان يمتلك خارطة إجرائية تفصيلية لاجراء الحوار وان يتم التركيز على:
1- الحفاظ على ما تحقق واستكمال تحرير الأرض وبسط السيادة عليها والتوافق على مواجهة وإفشال كل التحديات والاخطار المحدقة بالجنوب وقضيته الوطنية الكبرى.
2- بناء الدولة وإنجاز دستورها وإدارتها.
3- وضع الاتجاهات العامة لبناء وتطوير الجنوب الجديد (علم وتنمية شاملة وحرية).
21 أغسطس 2021م
* أستاذ الفلسفة السياسية المساعد جامعة عدن.