#مالي .. إنقلاب عسكري غامض وإنتشار واسع للجماعات المسلحة والمتطرفة .
ماتزال تفاصيل الإنقلاب الذي شهدته "مالي" غامضة حتى اللحظة ولم يعلن العسكريون أهدافهم، في حين تعاني البلاد أزمة سياسية كبيرة استغلت عسكرياً للإطاحة بالرئيس.
واوردت وكالة الأنباء "رويترز" عن المتحدث باسم الحركة الإحتجاجية في "مالي" ان إعتقال رئيس البلاد "إبراهيم أبوبكر كيتا" ليس انقلاباً عسكرياً وإنما إنتفاضة شعبية شهدتها البلاد.
واعلن متمردون في "مالي" مساء الثلاثاء الماضي توقيف رئيس البلاد "إبراهيم أبوبكر كيتا" ورئيس الحكومة "بوبو سيسيه" جاء ذلك إثر تمرد جنود في قاعدة "كاتي" العسكرية خارج "باماكو" حيث ألقوا الإنقلابيون القبض على عدد من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين.
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الإجتماعي اوآخر الأسبوع الماضي مقطع فيديو يظهر متظاهرون في دولة "مالي" مناهضين للحكومة وللرئيس "إبراهيم أبوبكر كيتا" وهم يقتحمون مكاتب تخص السلطات.
وقام المتظاهرون وفقاً للفيديو المتداول بحرق وتدمير مكاتب تخص الحكومة المالية ومنها مقر وزارة العدل والموظفين القانونيين المرتبطين بوزير العدل.
وأعلنت مجموعة دول غرب إفريقيا التي تلعب دور وساطة في "مالي" في بيان أنها تتابع بقلق كبير الوضع مع تمرد حصل في أجواء اجتماعية سياسية معقدة، ودعت العسكريين الماليين للعودة فوراً إلى ثكناتهم.
وادانت المجموعة بشدة المحاولة الإنقلابية الجارية، مشيرة الى انها ستتخذ كافة التدابير والخطوات اللازمة لإعادة تطبيق النظام الدستوري، وعبرت الولايات المتحدة الأميركية عن معارضتها لأي تغيير للحكومة في "مالي" خارج الإطار الشرعي حتى من قبل الجيش.
من جهته قال وزير الخارجية الفرنسي "جان إيف لودريان" في بيان رسمي بان فرنسا أبلغت بقلق بأمر التمرد الذي حصل اليوم في "مالي" وتدين بشدة هذا الحدث الخطير، مؤكداً ان باريس تشاطر المجموعة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا الموقف الذي عبرت عنه ودعت فيه إلى حماية النظام الدستوري.
وتواجه "مالي" بؤرة تهديد الإرهاب في منطقة الساحل منذ عام 2012م أزمة اجتماعية وسياسية خطيرة منذ يونيو "حزيران" إذ أعلنت المعارضة الإثنين تظاهرات جديدة هذا الأسبوع من أجل المطالبة بإستقالة الرئيس "إبراهيم أبوبكر كيتا" وبلغت ذروتها بإحتلال مكان رمزي في وسط باماكو يومي الجمعة والسبت.
وفي 10 يوليو "تموز" تحولت تظاهرة دعت إليها المعارضة الى ثلاثة أيام من الإضطرابات الدامية أسفرت عن مقتل 23 شخصاً وأكثر من 150 جريحاً بحسب ما اكدته المعارضة، فيما تحدث رئيس الوزراء "بوبو سيسيه" عن مقتل 11 شخصاً والأمم المتحدة عن مقتل 14 متظاهراً خلال الأحداث الأخيرة في "مالي".
وتمثل هذه الدولة أهمية بالغة للعالم العربي وإفريقيا وأوروبا لكون اغلب انشطة التنظيمات المتطرفة في الصحراء الكبرى يمكن ان تهدد المحاور الجغرافية السابقة من "مالي".
وترى العديد من المتابعين للمشهد المالي بان جذور كل مشكلات هذا البلد تنبع من التهميش الذي يعاني منه العرب والطوارق في إقليم "أزواد" الواقع في شمال البلاد، وهو ما أدى إلى اندلاع توترات في عام 2012م بعد محاولة انقلاب فاشلة وتمرد عرقي، ما سمح لجماعات مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة بالسيطرة على النصف الشمالي من البلاد قبل ان تتدخل فرنسا عسكرياً في 2013م للقضاء على هذه الجماعات.
ووقعت الحكومة المالية في 2015م مع بعض الجماعات المسلحة اتفاقاً للسلام إلا ان الخلافات السياسية والمجتمعية لا تزال تغذي الصراعات شمال هذا البلد الأفريقي الفقير وهو ما يقوض جدوى الإتفاق على أرض الواقع.
وتشير الكثير من المصادر الى ان المقاتلين الأزوادين من الطوارق والعرب طالبوا تحالف من المعارضين ورجال الدين وشخصيات المجتمع المدني منذ يونيو "حزيران" بإستقالة الرئيس "إبراهيم أبوبكر كيتا" ويتهم التحالف الرئيس "كيتا" والمحيطين به بالفساد والمحسوبية ونهب المال العام والاستئثار بوظيفة الدولة.
واقترحت المجموعة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) في سبيل حل الأزمة السياسية في مالي مقترحاً يقضي باعتبار مسألة بقاء الرئيس "أبوبكر كيتا" في مهامه الرئاسية خطاً أحمر غير قابل للتفاوض، داعياً في الوقت نفسه الى إعادة تشكيل المحكمة الدستورية وحل الخلاف الإنتخابي المتعلق بحوالي 30 مقعداً برلمانياً وتشكيل حكومة وحدة وطنية 50% من أعضائها من الائتلاف الحاكم وو30% من المعارضة و 20% من المجتمع المدني.
ودعت قبل الانقلاب بعدة أسابيع مجموعة غرب إفريقيا الأعضاء الثلاثين ومن بينهم رئيس الجمعية الوطنية الى الإستقالة للسماح بإجراء انتخابات جديدة.
وأدى عدم تنفيذ اتفاق السلام الموقع برعاية الأمم المتحدة بين مالي والحركات المسلحة الأزاودية في الجزائر الى اضطراب في المنطقة استغلته التنظيمات الإرهابية المنتشرة بين حدود (ليبيا والجزائر ومالي والنيجر وبوركينافاسو).
ونص الإتفاق الموقع بين باماكو وجبهات العرب والطوارق على إنشاء مجالس محلية بصلاحيات واسعة ومنتخبة بالإقتراع العام والمباشر ولكن دون استقلال ذاتي في شمالي البلاد او نظام اتحادي ولا اعتراف بتسمية "أزواد" التي يطلقها العرب والطوارق على شمال مالي.
وكان وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية "ديفيد هيل" قد دعا في وقت سابق أعضاء مجلس الأمن إلى ضرورة الاعتراف بخطورة الحالة الأمنية في مالي بينما يجد قوات البعثة المتكاملة أنفسهم في بيئة بعيدة عن حدود عمليات حفظ السلام التقليدية ويتعرضون لهجمات متعمدة وهادفة من قبل متطرفين يتمتعون بالقدرة على الحركة والتنظيم الجيد وهم ليسوا على وشك الإستسلام.
ويمثل إنتشار الإرهاب في "مالي" التي تحتل مساحة كبيرة من الصحراء الكبرى خطراً يهدد مناطق كثيرة في العالم، حيث انتقدت والأمم المتحدة الرئيس وقائد الجيش، وتأتي الأنباء عن الإنقلاب بعد أيام من إتهام خبراء في الأمم المتحدة مسؤولين في جيش وجهاز استخبارات مالي بأنهم يعرضون للخطر تطبيق اتفاق السلام الموقع في الجزائر على الرغم من دعوات الأسرة الدولية إلى تسوية الأزمة.
وبحسب أرقام للأمم المتحدة فإن 14 شخصاً قتلوا في يونيو "حزيران" خلال الاضطرابات التي شهدتها "مالي"، وتحدث تقريراً أممي عن عدم الثقة والإلتباس الناجمين عن قيام مسؤولين كبار بعرقلة تطبيق اتفاق السلام الموقع في 2015م بين "باماكو والمجموعات المسلحة".
ويشكل بحسب مراقبين هذا الإتفاق خارطة طريق لتسوية الأزمة الأمنية العميقة التي بدأت في 2012م مع تمرد مجموعات استقلالية مسلحة من الطوارق العرب ثم مجموعات جهادية في شمالي البلاد، ويؤكد التقرير الأممي على ضرورة ان يحاسب المسؤولين الماليين الذين هددوا وأخروا تطبيق الإتفاق من قبل لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة، مشيراً الى ان من بين هؤلاء رئيس أركان القوات البرية السابق الجنرال "كيبا سانغاري" المتهم بإتخاذ قرارات بشكل يثير الشك خلال نشر عناصر من الجيش المالي في شمالي البلاد في نهاية 2019م، موجهاً على لسان العديد من الخبراء أصابع الإتهام لأجهزة الإستخبارات في "مالي" التي رأوا بأنها أصبحت رافعة استراتيجية غير رسمية للسلطات تهدف الى عرقلة تنفيذ الإتفاق.
وأوضح التقرير الأممي ان المديرية العامة لأمن الدولة غذت الإنقسامات الداخلية داخل المنصة وهو التحالف الآخر لجماعات مسلحة وقعت آنفاً على بنود إتفاق السلام المبرم في وقت سابق.