صمود فاطمة.. "قصة حياة" وتقاطع الحرب والفقر ..!

انتقالـﮯ العاصمة / قصة /عبدالسلام عارف


 في حي شعبي مكتظ بالسكان في العاصمة عدن، حيث تتلاصق المنازل المتواضعة وتتقاطع الأزقة الضيقة، تعيش فاطمة وهي امرأة في الأربعينات من عمرها مع أطفالها الثلاثة، في بيت صغير بناه زوجها الراحل بعرق جبينه قبل أن تخطفه الحرب من بين أحضانها. تبدو علامات التعب والإرهاق واضحة على وجهها الشاحب، الذي أنهكته سنوات الحرب والحرمان، وتحكي تجاعيد وجهها قصة كفاح وصمود في مواجهة قسوة الحياة.

تبدأ يومها قبل شروق الشمس، فتوقظ أطفالها من نومهم العميق، تلك النومة التي سرقها منهم الحر الشديد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة. تجهز لهم ما تيسر من طعام، ثم تودعهم بقُبلة على جبينهم وهم يخرجون إلى مدرستهم الحكومية. بعد ذلك، تخرج فاطمة للعمل في تنظيف المنازل، رحلة يومية شاقة تبدأ في الصباح الباكر وتنتهي في المساء.

تعمل فاطمة بجد واجتهاد لتوفير قوت يومها وأطفالها، لكن الراتب الذي تتقاضاه بالكاد يكفي لتغطية احتياجاتهم الأساسية، فأسعار المواد الغذائية والوقود ترتفع بشكل جنوني، والريال اليمني يفقد قيمته يومًا بعد يوم، مما يزيد من معاناة فاطمة وأمثالها من الأسر الفقيرة.

الحياة صعبة للغاية

تقول فاطمة بصوت يملؤه الحزن "أشعر وكأنني أحمل جبلاً على كتفي. الأسعار ترتفع بشكل جنوني، والكهرباء تنقطع لساعات طويلة، ولا نستطيع تحمل تكاليف المولدات الكهربائية. في الليل نجلس في الظلام، والأطفال يبكون من شدة الحر والبعوض".

وتضيف فاطمة: "أحياناً لا أجد ما أطعم به أطفالي، فاضطر للاستدانة من الجيران أو الأقارب. أشعر بالخجل والحزن، لكني لا أملك خيارًا آخر. أريد أن أوفر لهم حياة كريمة، لكنني لا أستطيع".

أحلام بسيطة وطموحات محطمة

يحلم أطفال فاطمة بحياة أفضل، يتمنون أن يعيشوا في منزل فيه كهرباء وماء، وأن يرتدوا ملابس جديدة، وأن يأكلوا طعامًا شهيًا، وأن يذهبوا في رحلات ترفيهية مثل أقرانهم. لكن أحلامهم البسيطة تصطدم بواقع مرير، حيث الفقر والحرمان يحاصرانهم من كل جانب.

تقول فاطمة: "ابنتي الكبرى تحلم أن تصبح طبيبة، وابني الأصغر يريد أن يكون مهندسًا. لكنني لا أعرف كيف سأحقق لهم أحلامهم. فأنا بالكاد أستطيع توفير قوت يومهم، فكيف سأدفع تكاليف تعليمهم الجامعي؟!".

وعود حكومية وأزمات متلاحقة

تتابع فاطمة أخبار الحكومة الجديدة برئاسة أحمد بن مبارك، وتستمع إلى وعودها بتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية، لكنها لا تشعر بتفاؤل كبير، فقد سمعت مثل هذه الوعود من قبل ولم يتغير شيء.
"سمعنا الكثير من الوعود من الحكومات السابقة، لكن لم يتغير شيء على أرض الواقع". 

وتضيف فاطمة: "ما زلنا نعاني من انقطاع الكهرباء، وارتفاع الأسعار، وتدهور الخدمات. نريد أن نرى أفعالًا وليس أقوالًا".

أمل في غد أفضل

رغم كل الصعوبات التي تواجهها فاطمة، إلا أنها لم تفقد الأمل في غد أفضل. فهي تؤمن بأن الله لن يتركها وأطفالها، وتسعى جاهدة لتوفير حياة كريمة لهم.. تستمد قوتها وصمودها من إيمانها بالله، ومن حبها لأطفالها الذين هم مصدر سعادتها الوحيد في هذه الحياة.

وتشير فاطمة: "أعلم أن المستقبل غامض. لكنني لن أستسلم، سأواصل الكفاح من أجل أطفالي، وسأبذل قصارى جهدي لتحقيق أحلامهم. فهم يستحقون حياة أفضل". 

قصة فاطمة هي قصة الكثير من المواطنين الذين يعانون في صمت. فهل ستلتفت الحكومة والمجتمع الدولي إلى معاناة فاطمة وأمثالها، أم سيظلون يعانون في صمت حتى ينفد صبرهم وأملهم؟ وهل ستشرق شمس الأمل على حياة فاطمة وأطفالها، أم سيظلون يعيشون في ظلام الفقر والحرمان؟