تقارير إعلامية دولية: لا حَل في اليمن إلا بحِل الدولتين
بحسب مراقبين عرب، يوشك المجتمع الدولي الوصول إلى قناعة تامة أن لا حل للأزمة اليمنية المعقدة، ولا إحلال لسلام مستدام، ولا إزالة للتوترات، ولا توقف لسفك الدماء، إلا بحل الدولتين، وذلك بالعودة إلى ما قبل اتفاق العام 1990م، ودعم ومساندة إقامة دولة مستقلة في الجنوب (عدن)، وأخرى في اليمن (صنعاء)، وإنصاف الجنوبيين الواقعين تحت الاحتلال و الظلم اليمني. لا سيما وأن المحتل اليمني لايزال يقاتل لأجل استمرار الوحدة المشؤومة.
لافتين إلى أن الكلمة التي ألقاها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس بن قاسم الزُبيدي يوم 25 سبتمبر 2024م أمام مجلس الأمن وضعت النقاط على الحروف، وأصبحت الصورة أكثر وضوحاً، وبات لزاماً على مجلس الأمن والأمم المتحدة تبني قضية شعب الجنوب، ووضع إطار زمني محدد لحلها، أو تشكيل لجنة للنزول إلى أرض الواقع لتقصي الحقائق.
وأشاروا إلى أن أحداث المنطقة تتسارع، وأن الأزمة اليمنية لن تظل إلى ما لا نهاية. كما أن الحلول لن تسير بحسب رغبة طرف على حساب الآخر، وأنه لا يحق تلبية مطامع مليشيات الحوثي على حساب شعب الجنوب.. مؤكدين أن مليشيات الحوثي مجرد كيان متطرف إرهابي استولى على السلطة في صنعاء بقوة السلاح، ونتيجة التراخي الاقليمي والأممي بات يهدد مصالح العالم. وأنه ليس من المنطقي التراخي معه أو إعطائه أكثر من حجمه.. مشيرين إلى أن المساعي الإقليمية التي أعطت الحوثي نسبة من ثروات الجنوب النفطية تعد انبطاحاً واستسلاماً، ولا يندرح في إطار الحلول العقلانية، بل يجب إيقافها والبحث عن بدائل منطقية. وكانت تصريحات الرئيس الزبيدي التي أدلى بها لصحيفة الجارديان البريطانية واضحة، وتسير في نفس السياق، حيث قال:
إن عملية السلام السابقة لم تعد قابلة للاستمرار، والنهج المعتمد في التعامل مع الحوثيين بحاجة إلى تغيير. كما جدد خلال المقابلة التأكيد على ضرورة إعادة تصدير النفط وبناء إيرادات وطنية مستقلة عن الدعم المقدم من الأشقاء في المملكة العربية السعودية.. مشيراً إلى أن افتقار مجلس القيادة الرئاسي إلى القواعد الإجرائية المناسبة يؤكد حاجته إلى عملية إصلاح.
وأكد فخامته أن مليشيات الحوثي باتت ترى نفسها دولة ولا تعترف بالحكومة الشرعية في عدن، ولا تريد سوى الحوار مع الغرب فقط.
وقال: الحوثيون نجحوا في غرس أيديولوجيتهم الطائفية في الجيل الجديد، مما يجعل من الصعب توقع حدوث ثورة داخلية ضدهم في المستقبل القريب. كلام منطقي ولابد أن يؤخذ في الحسبان.
دعم استقلال الجنوب ضرورة ملحة
في السياق دعت مجلة «ذا ناشنال انتريست» الأمريكية، حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وإدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، لدعم استقلال جنوب اليمن، مشيرة إلى أن إحياء الحدود اليمنية القديمة بين الشمال والجنوب، مع حكومة حوثية في الشمال وحكومة المجلس الانتقالي الجنوبي في الجنوب، يصب في مصلحة واشنطن.
وقالت المجلة في تحليل نشرته أواخر الشهر الحالي سبتمبر 2024م، إنه بالنظر إلى أن الحوثيين قد بسطوا قبضة قوية على شمال اليمن، وسيطروا على ما يقرب من 200 ألف جندي، فمن الصعب تخيل أن تتمكن الشرعية اليمنية والتحالف العربي من إلحاق الهزيمة بهم بشكل حاسم في ساحة المعركة.
وقالت المجلة في تحليل للباحث المختص بالشؤون السياسية والعلاقات الدولية "ديلان موتين": إنّ فراغ السلطة الذي فتحه انهيار الحكومة اليمنية، سمح بظهور قوة ثالثة "المجلس الانتقالي الجنوبي".
وبحسب المجلة، "يأمل هذا الكيان في إعادة تأسيس جنوب اليمن المستقل، والحفاظ على سيطرة فعالة على عدن والمناطق الأكثر إنتاجية في المنطقة. هنا أيضًا يبدو أنّ العودة إلى الوضع الراهن قبل الحرب غير واقعي، ومن المرجح أن يظل المجلس الانتقالي الجنوبي القوة المهيمنة في الجنوب في المستقبل المنظور.
وقالت المجلة إنّ للولايات المتحدة، التي تدعم رسميًا التحالف الذي تقوده السعودية بدعم عسكري واستخباراتي، مصالح قليلة في اليمن بخلاف وقف إراقة الدماء وتحقيق الاستقرار في البلاد. لذلك ترى أنه بالنظر إلى مصالح واشنطن وطبيعة الصراع المستعصية، فإن التغيير في التكتيك مطلوب لحل الحرب في اليمن، ومن الضروري تقسيم البلاد بين الشمال والجنوب.
فك الارتباط ازلي ليس وليد الساعة
وفي خلفية تاريخية، تذكر مجلة "ديلان موتين" التي يصدرها مركز نيكسون، أنّ "شمال اليمن حصل على استقلاله من الإمبراطورية العثمانية مباشرة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، بينما ظل اليمن الجنوبي محمية بريطانية حتى عام 1967. وسرعان ما حصل الجنوب على الدعم السوفيتي، بينما اقترب الشمال من المملكة العربية السعودية والغرب.
وتضيف: خاضت عدن وصنعاء حربين لتوحيد البلاد، إلى أن أدى اتفاق في عام 1990 إلى اندماج سلمي. ومع ذلك، أصبحت النزعة الانفصالية الجنوبية مشكلة دائمة، وعادت التوترات إلى الظهور بعد الربيع العربي.
ويشير تحليل المجلة - الذي ترجم مركز "سوث24" أجزاء منه للعربية - إلى أن ما يثير الاهتمام هو أنّ خط الترسيم الحالي بين الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي، يتوافق تقريبًا مع الحدود الدولية السابقة بين شمال وجنوب اليمن.
ونظرًا لأن نظام الحوثيين يسيطر على معظم شمال اليمن السابق، ويهيمن المجلس الانتقالي الجنوبي على الساحل الجنوبي، فإن تجذير الموالين الخاسرين لا معنى له، بحسب المجلة.
ليس للشرعية اليمنية طريق للنصر والانفصال هو الرهان الرابح
وبحسب وصف المجلة، فإنّ الحكومة الشرعية فقدت السيطرة على المناطق الأكثر اكتظاظًا بالسكان والأكثر ثراءً في البلاد، وأنها لا تزال قائمة بفضل الدعم السعودي فقط وليس لها طريق للنصر.
فضلاً عن ذلك، تشير المجلة إلى اشتهار السلطات المعترف بها دوليًا (بالفساد)، ولا تُظهر سوى القليل من الاهتمام برفاهية الجمهور اليمني. وأن الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي ليسوا أفضل حالًا، لكنهم هم الذين لديهم سيطرة فعالة على اليمن، وأن مستقبل البلاد الآن في أيديهم.
لذلك، ترى المجلة أن إحياء الحدود اليمنية الشمالية الجنوبية القديمة مع حكومة الحوثيين في الشمال وحكومة المجلس الانتقالي الجنوبي في الجنوب، هو أفضل رهان لواشنطن لإنهاء الحرب إلى الأبد.
وقدمت المجلة مبررات للموقف الأمريكي المأمول في هذا السياق، حيث قالت: قد يختلف البعض مع حديث واشنطن ضد احترام وحدة الأراضي. لكن الولايات المتحدة خالفت هذا المعيار في الماضي، ودعمت استقلال الجبل الأسود عن صربيا في عام 2006 واستقلال كوسوفو في عام 2008. علاوة على ذلك، اعترفت بجنوب السودان كدولة ذات سيادة في عام 2011 بعد انفصالها عن السودان. في نهاية المطاف، الحدود المعترف بها دوليًا ليست سوى ذلك الخط على الخريطة.
وتعيد المجلة التذكير بأن: الحدود ليست ثابتة للأبد، بل هي مجرد تعبير عن توازن معين للقوى في وقت معين. استوعبت الولايات المتحدة الدول الانفصالية في الماضي ويجب أن تفعل ذلك مرة أخرى في جنوب اليمن.
لذلك، ترى المجلة أنّ خطوة أمريكية في هذا الطريق الدبلوماسي، قد تجد الدعم من حلفائها الإقليميين.. مشيرة إلى أنّ: الإمارات العربية المتحدة دعمت صعود المجلس الانتقالي الجنوبي وستقبل بسهولة تقسيم اليمن.
وبحسب المجلة الأمريكية، فإنّ اليمن هي واحدة من الأزمات المستمرة النادرة حيث يمكن لأمريكا أن تتوصل إلى إجماع دولي نسبي.. مشيرة إلى أن: الصين وروسيا والقوى الكبرى الأخرى ليس لها مصلحة تذكر في نتيجة الحرب الأهلية اليمنية، ومن غير المرجّح أن تعارض خطة السلام الأمريكية.
وترى المجلة في نهاية المطاف، أنّ تقسيم اليمن الذي يعترف بالحقائق على الأرض، هو آخر مسار قابل للتطبيق نحو تسوية دائمة. وهو فرصة على الرئيس الأمريكي بايدن اغتنامها، بحسب وصف المجلة.
ختامًا..
الوحدة اليمنية ليست آية قرانية، أو إله يعبد من دون الله، بل أصبحت مصدراً للدمار والخراب وإراقة الدماء. وتحت مسمى "الوحدة اليمنية" تم انتهاك الحرمات وسرقة أرض وثروات الجنوبيين حتى دماؤهم أصبحت مباحة، وبات من الضروري فك ارتباط الجنوب عن اليمن، والاتفاق على تبادل المصالح الأخوية وحسن الجوار. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَزوالُ الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق».
ولتذهب وحدة القتل والسرقة إلى الزوال غير مأسوف عليها.