عزز التسامح وجمع الشمل وقوْى الأواصر الأخوية.. "13 يناير" كيف حول الجنوبيون "ذكراه" من مأساة إلى حدث إنساني نبيل؟
لابد للنزاعات مهما بلغت شدتها ومدتها أن تحط أوزارها. وكانت وثيقة التصالح والتسامح الجنوبي التي شهدتها جمعية أبناء ردفان بالعاصمة عدن، يوم 13 يناير 2006م، نتاج طبيعي للرغبة الشعبية في وضع حد للعداوة، ولرأب الصدع وتقليص فجوة التباعد ومد جسور التقارب الأخوي والتعايش في خير وسلام ووئام، طالما الأطراف المتنافرة تعيش في وطن واحد يستحال تبديله بوطن آخر من جهة، ومن جهة أخرى تفويت الفرصة على المتربصين بشعب الجنوب ممن وجدوا في أحداث يناير المؤلمة مادة دسمة يراهنون عليها، يضخمونها ويعيدون فتح ملفاتها والتذكير بها عبر أبواقهم الإعلامية الرسمية وغير الرسمية، وبواسطة الذباب الإلكتروني، تزامناً مع كل انتصار أو تقارب جنوبي جنوبي، يبذلون ملايين الدولارات لإبقاء الجنوب رهينة تلك الأحداث إلى ما لا نهاية.
لاسيما صنعاء وقواها المختلفة، العفاشية والحوثية والإخوانية، وإلى جانبها دول إقليمية كانت ولاتزال تضرب على أوتارها، تنكئ الجراح وتذكي النزعات والنعرات المناطقية، تحرض وتدعم فصيل جنوبي ضد الآخر لإبقاء الجنوبيين في حالة تشرذم وتباعد وخصام اجتماعي وسياسي مستمر، ليتسنى لهم الاستمرار في السيطرة على الجنوب ونهب ثرواته البرية والبحرية، والتحرك بأرجائه بكل أريحية،
وقد أتت وثيقة التصالح والتسامح للتصدي لتلك الحملات المسعورة.
كان لزاماً على الجنوبيين توحيد صفوفهم والتصدي لتلك الهجمة.
نجح الجنوبيون في تفويت الفرصة على الأعداء:
لقد أتت وثيقة التصالح والتسامح الجنوبي في التوقيت المناسب، نجح عبرها الجنوبيون في تفويت الفرصة على أعداء الجنوب، وإفشال كل المؤامرات والمخططات الإجرامية الهادفة إلى تمزيق نسيجه الاجتماعي والسياسي.
نجح الجنوبيون في تحويل ذكرى 13 يناير من مأساة إلى حدث إنساني نبيل، يحمل أرقى القيم الأخلاقية، يجمع الشمل ويقوي الأواصر الأخوية.
لملم أبناء الجنوب جراح الماضي وطووا صفحاته المؤلمة إلى غير رجعة.. رسموا لوحة اصطفاف أخوي جنوبي أكثر من رائع، جسّدوا خلالها روح التصالح والتسامح والتلاحم واقعاً ملموساً، طووا ملفات الماضي إلى غير رجعة.
تعاهدوا على كتاب الله على أن دم الجنوبي على الجنوبي حرام، وأن لا عودة إلى ملفات الماضي السحيق مهما حصل.. متطلعين إلى مستقبل أفضل، إلى وطن جنوبي فيدرالي يحتضن كل أبنائه، مبني على أسس التعايش والقبول بالآخر والسلام الداخلي، ومد جسور التواصل الأخوي، وأن لا يفسد الاختلاف للود قضية مهما كان حجمه.
لقد فوّت شعب الجنوب على الأعداء فرصة تعكير مياه الجنوب، أو إعادته إلى مربع النزاعات المناطقية البائدة.
وكان لوسائل الإعلام الجنوبية دور كبير في تخليد وبلورة وثيقة التصالح والتسامح، وإشاعة روحها السامية بأوساط الشعب، وكذا التصدي للحملات المسعورة، وفي تنوير وإحاطة شعب الجنوب بكل ما يدور من حوله، وتحذيره من خطورة العودة إلى تلك المربعات السوداء التي يحاول الأعداء جره إليها.
حدث إنساني نبيل يجمع الشمل ويقوي الأواصر الأخوية:
في ذكراها الـ19 التي صادفت يوم 13 يناير 2025م، أكد جنوبيون على أن وثيقة التسامح والتصالح الجنوبي مكسب إنساني وأخلاقي نبيل، صنعه شعب الجنوب وفي سبيله قدم شهداء وجرحى، يجب التمسك به والإصرار على استدامته كمرجعية ودستور لكل الجنوبيين، بل إنه منهاج حياة تستلهم منه الأجيال العبر، وحدث تاريخي ووطني، ومناسبة عظيمة من تاريخ شعب الجنوب المعاصر لا يصنعها إلا الرجال العظماء، وكان جديراً بالأجيال المتعاقبة الحفاظ عليها والاحتفاء بها
كونها الأساس المتين للدولة الجنوبية القادمة، وأحد روافد ثورة شعب الجنوب التحررية، وأنه يحق لشعب الجنوب الافتخار والاعتزاز بها.
كما يتعين على الجنوبيين المتخلفين عن قافلة التصالح والتسامح، الذين لاتزال عقولهم أسيرة ذاك الماضي الأسود سرعة التحرر من قيودهم الاختيارية، واستيعاب متطلبات المرحلة الراهنة والقادمة.
لقد نجح شعب الجنوب في تحويل ذكرى 13 يناير من مأساة إلى حدث إنساني نبيل، يجمع الشمل ويقوي الجسور الأخوية، يسوده الحب والانسجام والاتفاق على كلمة سواء، بعيداً عن النعرات المناطقية السخيفة.